1 ـ مقدمة :
" صوت حبيبي . هوذا مقبل وهو يطفر على الجبال ويقفز على التلال .حبيبي يشبه ظبياً أو شادن أيلة ...
حبيبي تكلم وقال لي : " قومي يا خليلتي ، يا جميلتي ، وهلّمي . فإن الشتاء قد مضى والمطر وقف وزال قد ظهرت الزهور في الأرض ووافى أوان الأغاني... حبيبي لي وأنا له هو الذي يرعى بين السوسن .
( نشيد الأناشيد , القصيدة الثانية 2/ 8- 16 ) .
في البداية يمكن لنا أن نطرح أسئلةً كثيرةً تشغل بال الكثير من شبيبة اليوم . فمنذ عهد المراهقة يبدأ السوأل عن الحب , ويصبح لديهم أهم محور في حياتهم , هل هم مخطئون في ذلك ؟
ثم تلي هذه المرحلة , مرحلة أكثر نضجاً وعقلانية حيث يبدأ الشباب بالبحث عن شريكٍ يكّمل معه مشوار هذه الحياة, في الوقت ذاته يرفض الكثيرون فكرة المؤسسة الزوجية ويبحثون عن علاقات عابرة خارج إطارها .
شبيبة اليوم تتساءل في حيرة : لماذا نتزوج ؟ وهل الزواج ضروري في هذه الحياة ؟ ولماذا لا نجاري شبيبة العالم الغربي الرافض في أغلبه لفكرة الزواج ويؤيد المعاشرات العابرة ؟
فهل شبيبة اليوم في خطر ؟ أم المجتمع كله مهدد لما يعنيه الشباب من أمل للمستقبل ؟
2 ـ ما هو الزواج ؟
إنّ الزواج هو ، بلا شك , إحدى المؤسسات الأساسية في المجتمع . وهو ركن أساسي لبقاء النظام الإجتماعي وتوطيده . فالزواج إذاً حقيقة بشرية كونية . وهو عقد إجتماعي , لأنه رابطة بين العائلات أكثر مما هو بين الأفراد.
لن نتكلم عن كيفية تطور هذه المؤسسة عبر التاريخ . ولا عن الإختلاف في العادات والتقاليد بين الشعوب والأديان. إنما يهمنا هو رأي الكنيسة من هذه المؤسسة التي قدّسها السيد المسيح ورفعها إلى مرتبة السر .
رغم ذلك فإن الكنيسة إنتظرت حتى أواسط القرن الثاني عشر حتى تعتبر الزواج من بين أسرار الكنيسة السبعة . كذلك عانت الكنيسة حتى تمكنت من إلغاء تعدد الزوجات ومقاومة الزواج بين ذوي القربى والطلاق ... وفي المجمع التريدنتي في القرن السادس عشر أخذ الزواج المسيحي شكله النهائي تقريباً . وعندما نقول بشكل نهائي فهذا يعني أن مفهوم الكنيسة لهذا الزواج قد تطور فبينما كانت الكنيسة تعتبر الزواج على أنه عقد له غايتين : الأولى إنجاب الأولاد والثانية العون المتبادل . نجد أنه بعد المجمع الفاتيكاني الثاني قد أخذ مفهوماً آخر حيث يقول القانون الأول حول الزواج " إنّ عهد الزواج الذي ينشئ بموجبه رجل وامرأة جماعة على مدى الحياة ، هذا العهد، المقام بميزاته الطبيعية من أجل خير الزوجين كما من أجل إنجاب الأولاد وتربيتهم ، بين زوجين معمّدين ، قد رفع من قبل المسيح الربّ إلى رتبة السر " من هنا نجد أنَّ هذه المؤسَّسة بكلِّ ما تحمله من أبعاد إجتماعية هي بالنسبة للمسيحيين وسيلة نعمة وتقديس من خلال النعمة المعطاة بالسر ، وهذا يتيح للحب بوجه خاص أنْ يكون له المكانة المرموقة .
3 ـ هل من حب في الزواج ؟
" ثم قالت له المطرة ثانيةً : وما رأيك بالزواج أيها المعلم؟
فأجاب قائلاً : قد ولدتم معاً ، وستظلون معاً إلى الأبد .
وستكونون معاً حتى في سكون تذكارات الله .
ولكن ، فليكن بين وجودكم معاً فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض ، حتى ترقص رياح السموات فيما بينكم.
( جبران خليل جبران : النبي )
إن الحبَّ في الزواج ليس عبارة عن نزوةٍ عابرة ، وإذا كنا نؤمن بالحب ونؤمن بالزواج أيضاً نقول بأن الزواج الذي نعيشه بمعناه المسيحي الكامل هو مدينة الحب المميزة ومكان الحبِّ المختار . لأنه للأسف في عقلية زماننا الحاضر إن الحبَّ والزواج حقيقتان غريبتان لا تتعايشان الواحدة مع الأخرى . لذلك نجد في الأغلبية الساحقة من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والقصص , الزوج والزوجة لا يجمعهما الحبُّ إلا نادراً , إنما الحبُّ يدخل في حياتهما من خلال شخصٍ ثالث إلا وهو العشيق أو العشيقة . وكأنَّ لا وجود للحبِّ في الزواج ، بل هو من أساطير مخلفات الماضي .
نقول ، نعم فإن الزواج بدون حبٍّ هو زواج فاشل . هذا لا يعني الحبُّ قبل الزواج وإنَّما أن يبنى هذا الحبُّ في إطار الحياة الزوجية المشتركة . فالحبُّ ليس " هبة من الآلهة " تنزل من السماء . وهو ليس نشوة عابرة أو سحراً. ولكي يبنى الحبُّ لا بد من وجود الإرادة الصادقة والإيمان وبأنَّ ما نُقدم عليه في الزواج المسيحي هو قرارٌ لا رجعةَ عنه . يقول الكاردينال دانيلز : " قولوا للذين حولكم إن الحبَ قرارٌ . أريد أن أحبُّك " . هذا ليس مجرد شعورٍ أو عاطفةٍ أو رغبةٍ غامضة . الحبُّ قرار " أريد أن أحبَّك " . حتى إذا كنت لا تستطيع أن تردَّ على انتظاري إلا بشكلٍ جزئي ، أو كنت لا تَقدِر أنْ تردَّ عليه أبداً . وحتى إذا طُعنتَ بالسن أو إذا بلتك الحياة كالثوبِ ، أو إذا مَرِضْتَ ، أو إذا سقطتَ . أريد أنْ أحبكَ ( أحبك ِ ) كما أنتَ ( أنتِ ) . إنَّ أساس أزمة الحبِّ هو قلة الإيمان بالحبِّ كقرار " ( الكردينال دانييلز في خطاب موجه إلى فرق السيدة 1987 ) .
إنَّ إستمرار الحب في الزواج يتطلب إذاً عدة شروط :
1 ـ القرار
2 ـ الديمومة : أي الصمود عبر كل الصعوبات التي سنصادفها معاً كزوجين . والصبر معاً أمام هذه
الصعوبات . أن نتطور ونتغير معاً كزوجين فنمضي معاً باتجاه المستقبل لا أن ينظر
واحدنا إلى الآخر .
3 ـ الأمانة وهي شرط أساسي من شروط الحب الحقيقي " فالعلاقة العابرة تجديف على الحبِّ وإهانة لكل
ما هو مقدَّس في الإنسان " .
4 ـ الخُصبِ وهو أساسِّي في الحياة الزوجية فالطفل نعمة من الله وهو فرح وقمة الحب الزوجي .
5 ـ التضحية أو كما يقال " صليب الزواج " لأنَّ له مكان الصدارة في الحب الزوجي . لأنه لا يوجد نمو
حقيقيّ في الحبِّ بدون تضحية .
خلاصة :
مما سبق نجد أنَّ الزواج المسيحي هو سرٌّ . وهو منبع نعمةٍ وحياةٍ إلهية . والزواج للمسيحي الملتزم هو صورة عهد الله مع شعبه ، ووحدة المسيح والكنيسة . وهذا يعني أنَّ الزواج هو طريق إلى الحبِّ الشامل الكلي ، إلى الحبِّ الذي هو بشريّ وإلهيّ في آنٍ واحد .
4 ـ السعادة في الحياة الزوجية :
هل من سعادة في الحياة الزوجية ؟ سؤال قد يبدو عند الكثيرين مستهجن . خاصةً إذا عدنا إلى مقولاتٍ شعبية وأمثال لا تدلّ أقلَّها على أيّ سعادة في الحياة الزوجية . وعندما يُمدح الزواج يقال له " قفص ذهبي " وهل هناك قفص أي " سجن " يختلف الواحد منه عن الآخر ؟ وبمعنى آخر يُدَلل على الزواج بأنَّه قيد لحريّة الرجل خاصةً ونحن لا ننسى بأنَّنا نعيش في مجتمع ذكوري , ومتأثّرين شِأنَ أم أبينا بمحيطنا الإسلامي الذي لا يحترم المرأة ولا يقيم لها أيَّ وزن رغم كل الإدعاءات المخالفة لذلك . والأمثلة على ذلك كثيرة أهمّها الآية القرآنية الشهيرة " الرجال قوامون على النساء " . أضف إلى ما سبق فهم أعمى لآيات الإنجيل التي تقول : " أيتها النساء إخضعن لأزواجكنَّ خضوعكنَّ للربِّ , لأن الرجل رأس المرأة كما أنَّ المسيحَ رأسُ الكنيسـةِ التي هي جسده وهو مخلِّصـها ... " ( أفسس 5/ 22- 24 ) . حيث نقف عندَ منتصفِ الآية ولا نتابعها فننسى ما يطلبُ المسيح من ضرورة محبة الأزواج لنساءهم كأجسادهم .
نقولُ نعمْ هناك سعادة زوجية . وهذه السعادةُ تبنى ، ولا تتكون من ذاتها . إنها تبنى مع الزمنِ في المشاركة في كل ما نملك وكل ما نحن . إنها تبنى في هبة الذات للآخر . والزواج ليس إلا القرار والديمومة لهذه الهبة المتبادلة : هبة الجسدين في السعي إلى التناغم والإنسجام الجسديين . وهبة القلبين والروحين في صداقة مميزة .
لا يوجد وصفة جاهزة لتأمينِ السعادةِ الزوجيةِ . فلكلِ زواجٍ خصوصيته ولكن هناك بعضُ النقاط الهامة التي يجب مراعاتها لكي تتحقق هذه السعادة أهمّها :
1 ـ الأمانة الزوجية
2 ـ الحوار : حيث وجد أنَّ 85% من أسبابِ فشلِ العلاقة الزوجية هو غيابُ الحوار بين الزوجين . ( واجب المجالسة هو صمام الأمان في أخويات مريم ) .
3 ـ الهروبُ من الرتابة : في كل ما يخصّ الحياةَ الزوجيةَ ( على الصعيد الإجتماعي أو الجنسي ... ) . وهنا يأتي دور الإبداع المميز للعائلات .
4 ـ الصليب : لا ننسى أنَّه في كل سعادةٍ ألمٌ , هناك المحن والألم والإخفاقات والعثرات وهي كثيرة . لا يمكن لحياةٍ زوجية أن تمّرَ بدون صليب ، وهنا يأتي دور الإيمان في السرِّ المعطى لنا . حيث تفعل النعمة فعلها فينا إنْ تركنا الشخصَ الثالثَ ( الله ) الذي بارك الزواج أنْ يبقى حاضراً في حياتنا وسلّمنا حياتنا له ليساعدنا على حمل صليب حياتنا .
إنَّ طريق الزواج نادراً ما تكون طريقاً ناعمة , سهلة , بلا عقبات . فالصليبُ حاضرٌ فيها دائماً وبشكل لا يمكن تجنبه . ( وعلى من يقدم على الزواج أن يتهيأ لذلك خوفاً من التعرض لتجربة فاشلة ) .
5 ـ الزواج دعوة إلى القداسة :
إنَّ كلمة قداسةٍ بالنسبة لنا كلمة مرعبة . وكثير منا يعتقد أنَّ القديس هو شخص غير بشري يعيش منعزلاً في قممِ الجبال أو في جوف المغاور ، حزين متألم يقضي وقته في الإماتات الجسدية (لنتذكر قول القديس فرنسيس الأسيزي"قديس حزين قديس مسكين") ... آخرون لا تنسجم معهم كلمة القداسة والزواج كيف ذلك وهناك الدنس في هذه العلاقة ( الجنس ) . هكذا كان مفهوم الكنيسة حتى فترة متأخرة من الزمن ولكنّه بعد المجمع الفاتيكاني الثاني وَعتْ الكنيسة دور العائلة الخليَّة الأولى في المجتمع والكنيسة . ولا غرابة اليوم أنْ تخطو الكنيسة بجرأة في تطويب أولِ عائلة مسيحية سارت على درب القداسة عائلة ( لويجي و ماريا كواتروكي ) . لقد دعانا السيد المسيح إلى القداسة " كونوا كاملين كما أنَّ أباكم السماوي كامل "( متى 5/48 ) . وبولس الرسول يقول : " إنَّ مشيئة الله إنّما هي تقديسكم " ( 1 تسالونيقي 4/3 ) 0وفي سفر الأحبار يقول : " كونوا قديسين , لأنّي أنا الربّ إلهكم قدوس " ( أح 19/2 ) .
إذاً نحن كمسيحيين وكعائلاتٍ مسيحية مدعوين إلى القداسة لا لكيّ نصبح أشياء مقدسة ، بل لكي نحيا حياة مقدسة . هذه القداسة لا يمكن أن تأتي إلا من الله . هي هبة منه ، ونتيجة نعمته وحياته فينا . لقد ولدنا مسيحيين ونلنا الروح القدس لقد أصبحنا أبناء الله بالتبني وهياكل الروح القدس فنحن نحمل في أنفسنا ينبوع القداسة . ولكن كل ذلك بالقوّة أي أننا مدعوون لنصيرَ قديسين ومدعوون لننمّي فينا ما أُعطيناه من نعم في المعمودية . فالقديس إذاً هو شخص يعيش بالرغم من حدوده وعيوبه , ملء حياة الله بحيث نستطيع القول بأنه ليس هو الذي يحيا بل المسيح يحيا فيه ( غل 2/20 ) .
أختم ما قاله المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره نور الأمم حول الزواج والقداسة : " وأمّا الأزواج والوالدون المسيحيون فينبغي لهم , في سبيلهم الخاص بهم أنْ يساعد بعضهم بعضاً ، بمؤازرة النعمة ، على الأمانةِ في الحب طوال حياتهم ، وأن يلقنوا بحبٍّ الأولاد الذين رزقهم الله الحقائق المسيحية والفضائل الإنجيلية . فبذلك يكونون للجميع الحبَّ المستمرَّ السخيَّ , ويسهمون في بنيان المحبّة الأخوية , ويزيدون بشهادتهم ومعاونتهم في خصب الكنيسة أمنا ، دليلاً منهم واشتراكاً في الحبِّ الذي أحبَّ به المسيح عروسه ، وحمله على تسليم نفسه لأجلها " .
الجمعة مارس 09, 2018 3:22 am من طرف ضرغام شهارة
» كلمات منثورة فوق اغصان صمتي
الجمعة يونيو 26, 2015 9:12 am من طرف taher duski
» شعر العاشق المجنون
الأحد أبريل 12, 2015 7:55 am من طرف ضرغام شهارة
» وفاة الشاب المأسوف على شبابه ميلس باسم جما
الأحد أبريل 12, 2015 7:53 am من طرف ضرغام شهارة
» السيرة الذاتية للفنانة سارية السواس
الخميس نوفمبر 28, 2013 8:13 am من طرف ضرغام شهارة
» أفكارنا هي السبب الرئيسي لأمراضنا
الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 11:54 am من طرف ضرغام شهارة
» القرد ......
الأحد يونيو 23, 2013 8:11 am من طرف ضرغام شهارة
» سفرات مدرسية
الأحد يونيو 23, 2013 8:08 am من طرف ضرغام شهارة
» يوم توزيع النتائج
الأحد يونيو 23, 2013 8:07 am من طرف ضرغام شهارة